المخدرات
ينظر مروجي المخدرات إلى السعودية على أنها سوق دسم لتصريف مخدراتهم، ولا شك أن ذلك يهدد الأمن المجتمعي، وخاصة في حال انتشر مروجي المخدرات ومتعاطيها بين الناس بمختلف الأعمار، فما الذي قد يضع حد للمروجين ويمنعهم من التسويق لمخدراتهم في السعودية؟ وكيف تساعد الدولة متعاطي المخدرات وتحفزه للتماثل إلى الشفاء؟
القانون هو الخطوة الأساسية لضمان معالجة عدم الاستقرار، وهو الذي يمكن الدولة من إمساك زمام الأمور للحد من ظاهرات تهدد المجتمع مثل ظاهرة انتشار المخدرات، ولذلك سن نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الذي حدد في نصه عقوبة حيازة المخدرات في المملكة العربية السعودية.
وقد عرف النظام السابق ذكره المواد المخدرة في المادة الأولى منه التي تنص على:” المواد المخدرة : كل مادة طبيعية أو مركبة أو مصنعة من المواد المخدرة المدرجة في الجدول رقم (1) المرافق لهذا النظام …الخ”، وحدد الأفعال المجرمة وفصّلها في القانون ووضح عقوبة كل منها، ومن بينها عقوبة حيازة المخدرات في السعودية.
وأوضح نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في المملكة العربية السعودية أن المخدرات من الخطوط الحمراء التي يعاقب عليها القانون، وتختلف العقوبة في السعودية بين الحيازة والاتجار والتعاطي والصناعة بحسب الخطورة والتكرار، وسنخصص حديثنا اليوم عن حيازة المخدرات وعقوبتها في المملكة العربية السعودية، وسنستكمل في مقالة أخرى الحديث عن الترويج والاتجار في المخدرات.
فما هي الحيازة وماذا يقصد بحيازة المخدرات؟
عندما يلقى القبض على شخص ما ويتم اكتشاف مخدرات في حوزته، نكون أمام احتمالين إما أنه مروّج أو أنه متعاطي، ويبدأ التحقيق مع الشخص للتأكد من سبب وجود المخدرات معه.
حيث أنه لا يجوز لشخص غير مرخص له أن يمتلك مواد مخدرة إلا إذا كان قد وصفها طبيب مرخص له، ولكن في هذه الحالة على الحائز على المخدرات بحكم وصفة طبية من طبيب مرخص ألا يعطي هذه المواد لأشخاص آخرين تحت طائلة المساءلة القانونية.
أما فيما إذا كان سبب الحيازة هو الاستعمال الشخصي والتعاطي نكون أمام جرم يعاقب عليه القانون، حيث حدد نظام مكافحة المخدرات في المادة 41 عقوبة حيازة المخدرات بقصد التعاطي كالتالي:
“يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنتين كل من ارتكب أحد الأفعال الجريمة المنصوص عليها في المادة 37/38 من هذا النظام، وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها نظاما”.
وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود فرق كبير بين التعاطي والإدمان، فالمدمن لا يتمكن من مقاومة الرغبة في استخدام المخدرات، بينما يستخدم المتعاطي المخدرات بملء إرادته بهدف الشعور بالراحة وتخفيف التوتر او الهروب من الواقع، فهو لم يصل لمرحلة الإدمان بعد، أي أنه يستطيع التوقف عن استخدامها في حال أراد ذلك
ولكن المشرع لم يبرر للمتعاطي حيازة المخدرات، بل على العكس جرم نظام مكافحة المخدرات حيازة المخدرات بقصد التعاطي حرصاً على المتعاطي من الوقوع في الضرر الذي سيؤذي جسمه ويهدد حياته من جهة، ولحماية المجتمع وحفظ أمنه واستقراره من جهة أخرى.
وبذلك وبالعودة لنظام مكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية نجد أنه يجب أن يتوافر عدة أركان في الفعل ليعد جريمة حيازة مخدرات تبدأ هذه الأركان بوجود نص قانوني يجرم الفعل وهذا ما تم شرحه في السابق، بالإضافة إلى الركن المادي المتمثل بفعل الحيازة، والركن المعنوي المتمثل بعلم الحائز أن المواد التي يملكها هي مواد مخدرة وأن يقصد بوجودها معه أن يستخدمها فقط، وذلك بغض النظر عن كونه استخدمها أم لم يستخدمها بعد.
وبحسب نظام مكافحة المخدرات في المادة 39 منه: ” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبالجلد بما لا يزيد على خمسين جلدة في كل مرة، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال ولا تزيد على ثلاثين ألف ريال – كل من حاز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو أحرزها أو نقلها أو سلمها أو تسلمها لغير قصد الاتجار أو الترويج أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، وذلك في غير الأحوال المرخص بها في هذا النظام”
ما هي أسباب البراءة في قضايا المخدرات في السعودية؟
ليس كل متهم مذنب وقد حاول نظام مكافحة المخدرات أن يهتم بكل حالة على حدى حتى لا يعد ظلم فيصبح القانون من أسباب انتشار الجريمة بدلاً من أن يكون رادعاً لها، وهناك العديد من الأسباب التي تستوجب الحكم بالبراءة، فعلى الرغم من تشدد القانون في العقاب على جرائم المخدرات إلا أنه عامل بعض الحالات معاملة خاصة وذلك بحسب المادة 42 من نظام مكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية، الذي استثنى الطلبة من تطبيق العقوبة ومن تقدّم بنفسه أو أحد أصوله أو فروعه او أقاربه طالباً علاجه، وكذلك الأمر بالنسبة للمدمن حيث يجوز إيداعه في إحدى المصحات المخصصة لغرض الإقلاع عن الإدمان، ففي هذه الحالة يحكم بالبراءة ولكن هناك شروط حتى يستحق هذا الطالب معاملة مختلفة تجعل حكمه البراءة في قضايا المخدرات في السعودية، وهذه الشروط تتلخص بـ:
- ألا يزيد عمر الطالب عن عشرين سنة.
- أنت يتعهد أمام القاضي بالتفرغ لدراسته في حال خففت العقوبة، وأن يعمل على تعافيه من التعاطي بشكل كامل.
- أن يكون الطالب ارتكب فعل التعاطي وليس الترويج وهذا يشمل الاستفسار، وأن تكون جريمته الأولى ولم يرتكب قبل هذه المرة أي جريمة، وألا يكون تعاطيه للمخدرات قد سبب ارتكابه لجريمة من نوع آخر.
وبحالة أخرى نحن نعلم أنه ليشكل الفعل جريمة حيازة مخدرات في السعودية لا بد من توافر أركان الجريمة والتي تحدثنا عنها سابقاً، وفي حال عدم توافر هذه الأركان أو الخلل بواحد منها يعتبر المتهم بريء.
متى تشدد عقوبة جريمة حيازة المخدرات في السعودية؟
بينما نص المادة 38 من نظام مكافحة المخدرات وضح عقوبة مروج المخدرات في السعودية وبيّن حالات تشديد العقوبة وهو ما سنوضحه لاحقاً بمقالة خاصة بمروجي المخدرات، في حين نصت المادة رقم (60) من نظام مكافحة المخدرات على حالات تخفيف العقوبة ، وذلك لكل من متعاطي الكبتاجون أو الحشيش أو أحد المواد المؤثرة على العقل، إذا وجدت المحكمة أسباب تبرر ذلك مثل (أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو عمره، أو ظروفه الشخصية، أو الظروف أدت به إلى القيام بهذه الجريمة)، أو غير ذلك من الأسباب التي تراها المحكمة، ومما يبعث على الاعتقاد بأن المحكوم عليه لن يعود إلى مخالفة هذا القانون
وبذلك نجد أن القانون السعودي تعامل مع كل حالة بطريقة منطقية فردية، وكانت غايته ردع الجريمة والتخفيف منها وليس الانتقام من مرتكبها، وهذا نجده واضحاً في تعامله مع مرتكب الجريمة حيث يمكن تخفيف العقوبة في حال تماثل المتعاطي للشفاء وكان ذو سلوك حسن، ويمكن لعقوبة حيازة المخدرات أن تشدد أيضا في الحالات التي يكون فيها المتعاطي عضو في مكافحة المخدرات، وبذلك يقترب المشرع من هدفه الأساسي وهو حماية المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره.
التبصيم في مكافحة المخدرات:
عملت إدارة مكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية على نشر التوعية كإجراء وقائي لمكافحة آفة المخدرات وحماية المجتمع، حيث تم تخصيص بريد الكتروني لتسهيل إجراء التبليغ عن المدمنين لتتمكن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات من تقديم الرعاية اللازمة للمدمنين.
فماذا يعني مصطلح التبصيم في مكافحة المخدرات؟
استكمالاً لإجراءات الوقوف بوجه المخدرات وتفشي ظاهرة تعاطيها وترويجها في المجتمع، كان لا بد من ابتكار طريقة للكشف عن المتعاطين والمدمنين والمروجين، وتتمثل هذه الطريقة بأخذ بصمات الشخص المشتبه به ولأي شخص يتم إلقاء القبض عليه كمتعاطي أو مشتبه بالترويج للمخدرات، وهذه الوسيلة يتم استخدامها لمعرفة إذا كان الشخص يتعاطى المخدرات، عبر جهاز يدعى “جهاز البصمة” حيث يبصم الشخص بواسطته فيفرز جسم الإنسان في حال كان يتعاطى المخدرات مادة كيميائية تعتبر هذه المادة هي مؤشر ودليل على تعاطي الشخص للمخدرات.
فمن المعروف أن كل إنسان يتفرد ببصمة خاصة به وهذا يساعد إدارة مكافحة المخدرات في الكشف عن المتعاطي او تبرئته بمقارنة بصمته مع مكان الجريمة، حيث يتم مقارنة بصمات المتعاطين والمدمنين مع اماكن الجريمة مما يسهل الكشف عن المجرم وإيقاع العقوبة المناسبة قانوناً عليه.
حكم أول سابقة مخدرات:
نجد أن حرص المشرع السعودي على إحقاق الحق ودراسة حالة كل متورط بجريمة المخدرات بشكل منفرد، حتى أنه فرّق بين أول سابقة مخدرات وبين تكرار الفعل، حيث تختلف عقوبة حيازة المخدرات لأول مرة عن العقوبة ذاتها عند التكرار وهذا ما وضحناه سابقاً، حيث تشدد العقوبة في حال التكرار وتخفف في حال كانت أول مرة.
فالمشرع السعودي حاول مراعاة جميع الظروف وجميع الحالات فشدد العقوبة حيناً وخففها حيناً، وحتى أنه استوجب الحكم بالبراءة حيناً آخر، وترك الأمر للقاضي بإقرار العقوبة المناسبة.